
أخذت مظلتها و إتجهت لمحطة القطار لا تنتظر شيئا أو احدا....فهي لا تعرف شخص واحد في دائرة معارفها يستخدم القطار و لكنها عادة سيئة جديدة إكتسبتها خلال الأيام الماضية .....نعم فربما يكون هذا رابع أو خامس يوم لها تذهب إلى محطة القطار ترتدي معطفها الأسود الطويل، حذاء رياضي قبعة سوداء تخفي بها ثلاث أرباع و جهها و مظلة داكنة اللون.......تذهب لتجلس على نفس الكرسي في محطة القطار كل يوم تحمل معها كوب كبير من العصير المثلج و حفنة من السوداني بالشيكولاتة و تدندن أغنية فيروز "أديش كان في ناس" مرة تلو الأخرى حتى تبدأ الدنيا في الأظلام......... فتعود إلى منزلها بهدوء لتنام إلى اليوم التالي لتذهب إلى محطة القطار......... و رغم أنها لم تمطر في الأيام السابقة و لا أبدت أي إشارات تدل على انها ستمطر إلى أنها اصرت على أن تأخذ مظلتها معها ....فهي لا تكل و لا تمل و لا تنسى احلامها أبدا مهما تناستها.......... و رغم أنها لا تدري عما تبحث في محطة القطار إلى أن كان هناك قوة خفية تجذبها إليه كل يوم لسبع أو ثمان أيام متتالية .....ربما اكثر أو أقل ....... كانت متفائلة كالعادة رغم الكائبة التي تحيط بها....... "سيدة المتناقضات" هكذا يدعونها أصدقائها المقربين فهي تضحك و تبكي في نفس الوقت و تبدو تعيسة و مشرقة في نفس اللحظة و أحيانا كثيرة تتكلم بحماس شديد عن أشياء تدعو لليأس......... وصلت إلى محطة القطار و كانت تشعر بشعور مختلف تماما ربما لأنها تدندن أغنية مختلفة "ماشي بشارع" لكاظم الساهر....... أرتفع صوتها عند المقطع "ألف بوسة يا قدر يا مظلة و يا مطر" .....جلست في مكانها المعتاد كان قلبها ينبأها أن اليوم سيجد في حياتها جديد فأشترت كوب قهوة دافئ و مجلة هزلية بدل من الجريدة و أضافت لملابسها القاتمة كوفية ممتلئة بالألوان ......غيرت مقعدها الدائم و وضعت الوردتين التي أشترتهما من البائع "اللي عالناصية" و بدل من جلستها المعتدلة جلست مرتبعة على الكرسي مبتسمة و فتحت مظلتها رغم أنها لم تمطر بعد .....و إنتظرت ساعة ساعتين ثلاث ساعات و لم تمطر و أخذ الناس يأتون و يرحلون كعادة البشر في محطات القطار .....و بين لحظات من الضجيج و أخرى من السكون ظلت كما هي تغيير من وضعها كل مدة حتى لا تؤلمها قدميها........و بدون أي مقدمات أنسدل المطر .....لم ينسدل بل نزل بقوة محدثا صوت محسوس عند إصتدامه بالرصيف ........أغلقت مظلتها و خلعت قبعتها و أخذت تبتسم في سعادة شديدة للمطر........... وما أن انتهى المطر حتى حملت أشيائها المبللة و عادت إلى منزلها.........و في الطريق إلى غرفتها تعثرت في بضع أوراق في الأرض حملتهم لتجد مكتوب على إحداهم بخط عريض الجلوس تحت المطر في محطة القطار
قصه جميله جدا...
ردحذف