جلست على الرصيف في وسط النهار.....جاء و جلس بجوارها في صمت.....ألقت عليه نظرة ملول و تابعت رؤية الحركة التي تملئ المكان..... سألها "هتقعدي كده كتير"
- أنا حرة على فكرة أقعد زي ما أنا عايزة"
صمت في إندهاش فهو لم يعتدها فجة في ردودها ثم سألها "هو أنت في حاجة معينة مضايقاكي"
- حتى لو في دي مشكلتي لوحدي
-"هو أنتِ زعلانة مني في حاجة" لم تجب فكرر سؤاله مرة أخرى فإمتنعت عن الإجابة "أنا لو مضايقك في حاجة قوليلي و أنا أصالحك" رمقته بنظرة ممتلئة بالإستهزاء و لم تجب.......كانت تعلم أن إجابتها ستكون في غاية السوء....كانت تريد بقوة أن تقول أن العالم لا يتبلور حولك و ان ضيقها أكبر من أن يكون بسبب شخص .......... لكنها تذكرت العبارة الشهيرة التي تقول "صن لسانك يصنك" فصانت لسانها..........تنهدت تنهيدة ملول ....قال لها " طب انا همشي"..... فهزت رأسها في إنتظار رحيله لكي تتمكن من متابعة التفكير في سبب ضيقها.....و لكنه لم يفعل بل ظل جالسا.....لم تكن حتى قادرة على أن تتفاعل و تسأله "لماذا لم يرحل، أو أن تطلب منه بهدوء الرحيل أو ربما تصرخ فيه "قوم أمشي" فتخرج بعض من طاقتها السلبية........
"أنا حاسس بالإهانة، و عمال أفكر ممكن أكون عملتلك إيه يضايقك، عارفة إحنا بقالنا قد إيه صحاب....... قد خمستلاف سنة كده..... تششيل الدنيا فينا و تحطنا و أروح أخر الدنيا و أتعرف على ناس جديدة و أنساكِ و تنسيني و نتحول لإتنين معارف مايعرفوش عن بعض أي حاجة خالص......بيتقابلوا كده في فرح حد أو حاجة........و أقعد أقول "ياااااااااااااه ده الواحد ماكنش فاكرها أساسا.....و بعدين فجأة و من غير مقدمات أقعد أسأل عن رقم تليفوناتك لأني عايز أكلمك، عايز أحكيلك مشكلة، و إحنا أخر مرة حكيتلك كنا في المدرسة..... و لا أنا أعرف عنك حاجة من ساعتها و لا أنت تعرفي.....و أول ما أبتدي أحكيلك أكتشف أني عمال أتكلم و أتكلم و أتكلم و أقولك حاجة من الشرق و حاجة من الغرب.....و أقولك عن ناس ما تعرفيش عنهم حاجة و لا إيه علاقتهم ببعض....بس ألاقيني برغي و خلاص و أنتِ بتسمعي و خلاص....و ما حستش حتى أنك عايزة تسألني إيه اللي فكرك بيه .....لأن ما فيش بينا إحتمالات .....لا عمرنا كنا حبيبة و لا عمرنا هنكون..... و نرجع بعد كده نسأل على بعض و نبدل كتب و أفكار و أحلام....و أسألك إيه أخر أخبارك و أعرف من طريقة قولك لكلمة "مافيش" إذا فعلا في جديد و لا لأ.............. و إنهاردة حاسس أن عندك كلام كتير قوي عايز يطلع بس مش عارف .......و عارف أنك مش مضايقة مني و لا حاجة بس قلت أنكشك..و عارف أنك ممكن تقعدي كده لبعد بكرة لا قادرة تتكلمي.....و يمكن فعلا عايزاني أقوم أمشي ....و يمكن أنا فعلا مش هقدر أعملك حجة.....و مش هكدب و أقول ضميري هيأنبني لو قمت و سبتك....لأ عادي....بس حاسس أني عايز أقعد أتفرج معاك و أشوف أنتِ فعلا عايزة إيه أو شايفة إيه.....فأنا مش ناوي أقوم"
لم تبد أي إنفعال لكلامه...... و لم تجب و لا أبدت أي علامة للتأثر .....قالت بعد برهة في ألية "عارف الولد اللي هناك ده اللي لابس تيشرت أحمر و شورت ده....بقاله واقف كده زي ما هو من قبل ما تيجي.....عمال يتفرج زيه زيي على الناس و شكله زهقان"
-"سألها في بطء و حذر "تفتكري عنده كام سنة .... 8 ،9"
-أجابت في ثقة" عنده 10 سنين"
صمتت لوهلة ثم أكملت " عارف هو متنح كده علشان مضايق و أكتر حاجة خنقاه أنه مش عارف هو مخنوق ليه و ملوش مزاج بأكل حاجة و لا يشرب حاجة و لا يتكلم"
قال هو مضيفا "و لا يلعب"
فأشارت إلى طفل أخر "شايف بقى اللي هناك ده عنده 9 سنين و صاحبه الأنتيم و برضة بيحاول يلعب معاه بس الولد مش راضي ...تفتكر مش راضي يرد عليه ليه، علشان زعلان منه"
- أجاب "لأ"
نظرت إليه لأول رة منذ جلس "برافو عليك، هو مش زعلان منه و مش زعلان من حد أصلا، ده حتى مش زعلان من نفسه، لأ هو مبسوط من نفسه لأنه لسه بيمشي عادي و أن مافيش حاجة بتوقفه"
-قالها "تفتكري ممكن يكون اللي مزعله حاجة حصلتله"
ردت بشئ من الحماس "ما هو ده المدهش، أن خير اللهم ما أجعله خير مافيش حاجة وحشة حصلتله الفترة اللي فاتت"
- "طب إيه أكيد في سبب في مكان ما مضايقه"
- قالت بإنفعال طفل صغير" ما أنا فعلا مش عارفة....بقالي كام يوم و مش قادرة أوصل لمشكلة....حاسة أني نفسي أدور الضرب في كل البني أدميين....القريبين قبل البعلد....عايزة أنتقم من الكل لأن ما حدش عارف أنا مضايقة ليه"
-"يمكن لو....."
- قطعته "عملت كل حاجة...نزلت جريت و جبت أيس كريم و أشتريت كتب جديدة و هدوم جديدة...كلمت أصحاب كتير ما فيش فايدة متغاظة جدا برضة"
-"وبعدين ناوية تعملي إيه"
-"أفضل قاعدة هنا كده من غير أكل و لا شرب لحد ما أروق"
- طيب بما أن شكلك مطولة أنا هروح أجيب حاجة أكلها و أشربها و أجي أقعد معاكي" قام سريعا و لم يتعجل في العودة....فهو يعلم أنه سيطول بهما الإنتظر على حافة الرصيف....أكل ببطء و شرب كوب عصيره على مهل و أبتاع لها شيئا لتأكله في حالة غيرت رأيها.....و أتجه إلى الرصيف نفسه فلم يجدها ألتفت يمنة و يساره فلم يجدها فأخذ يضحك و هو جالس وحده على حافة الرصيف