مشيت بجوار زوجي في الشوارع المزدحمة الممتلئة بالتراب و الرائحة الكريهة......الجو حار و الرتوبة مرتفعة و العرق يتصبب منه و مني........أحمل بين يدي طفلتي الباكية و أمسح لها وجهها بمنديل بللته بالماء........... أرمق زوجي بنظرات منزعجة فهو يسبقني بخطوات و لم يلتفت مرة واحدة وراءه ليرى أن كنت فعلا أتبعه و لم يعرض أن يحمل مني الطفلة الباكية................ و لكن الخطئ خطئي فأنا صاحبة فكرة السفر من مصر إلى الهند بلاد الأفيال في شهر أغسطس......."كنتِ بتفكري في إيه بس؟؟!!".............. ما الذي جعلني أظن أن هذه الرحلة ثلاثتنا فقط كفيلة بأن تكسر حواجز الثلج التي إرتفعت بيننا من غير سبب واضح..........أخذت أنظر غلى كل الوجوه التي تحيط بي محاولة أن أستشف أن كانوا سعداء أم لا..........أريد أن أسأل عن سبب مشكلتي و عن حل سريع لها........و من بين الوجوه رأيت وجه مألوف وجه من الماضي ..........أخذت أراجع كل قوائم الأشخاص الذين أعرفهم بحثا عن الإسم و من إين أعرفها.......مرت من جواري و أحتك كتفي بكتفها و تابعنا السير في إتجاهات مختلفة لدقيقتين تقريبا ......ثم تذكرت لم يكن التذكر سهلا فقد شعرت كأني صُفِعت أو كأن قطار صدمني............أنها صديقتي.......أحدى صديقاتي المقربين التي لم أراها منذ سنين طويلة............شددت يدي حول إبنتي و ركضت ركضت يأقصى سرعة في الإتجاه التي مشت فيه.......أخذت أصطدم بالناس و أعتذر و أرتفع بكاء صغيرتي أكثر و أكثر من الخوف و لكني لم أتوقف ........كان اللحاق بها كالعودة للماضي للأيام التي كان يرتفع فيها صوت ضحكاتي عالية و تضطر صديقاتي لأسكاتي ، لجلسات مطولة بيننا نناقش فيها مشكلة عاطفية حمقاء لواحدة منا...............أخذت أركض كأنني أركض في شريط ذكريات.........يوم فاتحته في رغبتي بالسفر........يوم ولدت إبنتي.... يوم عرفت أنني حامل....يوم زفافنا......يوم فاتحني بحبه و رغبته بالزواج بي............أول مرة أراه فيها........... أول يوم لي في عملي الجديد.....يوم تخرجي من الكلية...........ووصلت إليها، وصلت إليها في ذكرياتي و في الواقع...........وضعت يدي على كتفها و تذكرت من أنا........... ضمتني إيها بشدة ثم قبلتني و حملت طفلتي التي أستكانت بين يدها تماما.............رأيت الواقع يتغير أختفت الشوارع الهندية و الأناس الهنديون و حل مكانهم جامعتنا حل مكانهم تندتنا الخضراء و أصدقائنا القدامى...........لم أسألها ماذا تفعل في الهند و لم تسألني، لم تستعجب أنها قابلتني هنا بعيدة ألاف الأميال عن الوطن و لم أستعجب.............لم نسأل عن أحوال بعضنا و لا أبدينا أي تعليق على أشكالنا و لا أزواجنا و لا أطفالنا...........تحدثنا كأننا كنا أمس فقط ....بدأت أشكو لها الطقس و زوجي و الطفلة و العمل ...و بدت متفهمة و كأنها تعرف لماذا حدث كل هذا.......لا أعرف كم من الوقت تكلمنا و لا أذكر كيف أنهينا الحديث و لا كيف أفترقنا.....لكني أذكر أننا لم نعد بعضنا باللقاء قريبا على الأقل لم نقلها بأفواهنا كأنه أمر مسلم به كأنه أمر طبيعي لابد أن يحدث.........لم نتبادل أي معلومات كأرقام الهواتف أو عنواين منازل....فقط أفترقنا...أعطتني طفلتي و أنطلقنا......و عادت الشوارع الهندية و الأناس الهنديين...........ورائحة التوابل و عبق الشرق ...و الشمس اللامعة و الجو الرطب............و مشيت ببطء أبحث مرة أخرى عنه ،عن زوجي لست بقلقة فربما لم يلاحظ غيابي إلى هذه اللحظة........... و لكني وجدت مفزوعا أمامي بشعر أشعس و عينين جاحظتين يسألني برعب أن كنت بخير.....حمل طفلتي مني و ضمني بقوة إليه ......أحسست بدمعه تبلل رأسي و سمعت تمتمته و هو يكرر "الحمد لله الحمد لله"..... و سرنا طويلا ثلاثتنا فقط.....هو يحمل الطفلة بيد و يد أخرى تحيط كتفي...... فقط ثلاثتنا في بلاد الهند
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق